تسعى السلطات العليا في الجزائر من خلال مشروع قانون القرض والنقد إلى هيكلة القطاع المصرفي في البلاد تماشيا والمنظومة الاقتصادية العالمية، حيث تعتبر خطوة هامة في مسار وضع أرضية صلبة تتخذها من أجل تسهيل حركة رؤوس الأموال، استقطاب المستثمر الأجنبي وامتصاص الكتلة المالية الضخمة المتداولة في السوق الموازية، حيث يترقب متابعون اتخاذ إجراءات أكثر جرأة من خلال رقمنة حقيقية وتعميم الدفع الإلكتروني في الجزائر.
بقلم : الصحفية فاطمة ميساء
عرضت الجزائر مشروع قانون القرض والنقد بعد 32 سنة من وجوده، وبالرغم من التعديلات التي مسته منذ صدوره في 14 أفريل 1990، إلا أنه بات من الضروري أن يخضع إلى تغييرات وإضافات تواكب المتغيرات الجيوإستراتيجية العالمية، ليشمل هذه المرة إجراءات جديدة لعل وعسى تكون قادرة على امتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية.
وتم عرض مشروع القانون على لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني من قبل وزير المالية، والتي بدورها قدمت اقتراحات حول إدراج بعض التعديلات على مشروع القانون، حيث حظيت الجلسة بنقاش واسع وموضوعي من قبل أعضاء اللجنة حيث أفضى إلى إدراج عدد من التعديلات في الشكل والمضمون، تضمنت أساسا إجراءات إعادة هيكلة القطاع المصرفي في البلاد لتشجيع الإستثمار الأجنبي، وتسهيل حركة رؤوس الأموال، وتطويق سوق الصرف الموازية في البلاد.
وفي سياق متصل، أكد محافظ بنك الجزائر، صلاح الدين طالب، على استجابة مشروع قانون القرض والنقد لمتطلبات التحول الرقمي والاستعمال الواسع للتكنولوجيات، لافتا إلى أن النص يعد القاعدة الأساسية لضمان تطور اقتصادي سلس ورشيد في الجزائر.
وشدد طالب على ضرورة أن يواكب قطاع المالية، الديناميكية الجديدة المبنية على اقتصاد المعرفة والرقمنة، داعيا إلى وجوب الانفتاح على فاعلين جدد تماشيا والتوجهات الحديثة للاقتصاد واحتياجات المستهلك الجديدة للخدمات المالية، مضيفا أن مشروع القانون يكرس مرونة أكبر في تنظيم نشاط فاعلين جدد على غرار البنوك الرقمية وبنوك الأعمال ومقدمي خدمات الدفع، حيث ستسند هذه المهمة إلى مجلس النقد والصرف الذي سيتكفل بوضع القواعد التنظيمية والاحترازية لتطويرها.
ومن بين التعديلات الجوهرية التي أقرها مشروع قانون القرض والنقد، إدراج رقمنة المدفوعات، وإدخال شكل رقمي من العملة الرقمية تسمى” الدينار الرقمي الجزائري” ، أين يتولى بنك الجزائر تطويره وتسييره ومراقبته إلى جانب انفتاح النظام المصرفي على البنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع الإلكتروني، ناهيك عن فتح مكاتب للصرف على مستوى ولايات الوطن تسهل عملية تبادل الأموال بطريقة قانونية للمستثمرين والسياح، سعيا منه لتطويق أموال السوق الموزاية وجعلها تنخرط في السوق الرسمية بشكل منتظم.
تيغرسي: من الضروري تفعيل دور السوق الرسمية وتوحيد السوق الموازية
ثمن الخبير الاقتصادي الهواري تيغرسي في تصريح خص به شبكة الإعلام الاقتصادي “الاقتصاد ديزاد” مبدئيا ما تضمنه محتوى قانون القرض والنقد، لكن طالب الخبير بإدراج إصلاحات أخرى أكثر جرأة للسيطرة على السوق المصرفية في السوق الموازية، وقال: ” إنه من الضروري تفعيل دور السوق الرسمية وتوحيد السوق الموازية، من خلال رقمنة حقيقية وتعميم الدفع الإلكتروني”، قبل يضيف : ” تحديد هامش الربح لمكاتب الصرف سيسهل العملية بشكل سهل وسلس”، مشيرا إلى أن عملية تفعيل مكاتب الصرف تتم وفق عملية إنتاجية، لأن قيمة العملة مرتبطة بالقيمة الإنتاجية للبلاد.
ومن هذا المنطلق، أضاف تيغرسي أنه من غير الممكن الحديث عن عملة دون وجود منظومة إنتاجية متعلقة ببيئة استثمارية محفزة ترتكز على مدى التسهيلات المقدمة، بالتالي تسهل استقطاب المستثمر الأجنبي، مؤكدا بقوله : “الضريبة في الجزائر جد مرتفعة، وتمثل ضغطا على المنتج والمستثمر والمستهلك على حد سواء”، لهذا حسب المتحدث يجب أن يتم مراجعة أيضا مشروع قانون الضرائب في المراحل القادمة ليواكب مشروع قانون القرض والنقد.
حيث طالب ذات الخبير بتخفيض العبىء الضريبي على المستثمر لتبسيط مستوى الأسعار في الجزائر، كونه لا يمكن أن تنخفض الأسعار والضريبة مرتفعة، وبهذا الشكل لن تخلق في المراحل القادمة عملية إنتاجية وتصبح بذلك دولة ضريبية عوض إنتاجية، لينجم عنها تهرب السوق الرسمية إلى السوق الموازية، بدليل فإن التحصيل الضريبي لا يتعدى 30 بالمائة، متسائلا : ” كيف يتم امتصاص الأموال الموجودة في سوق السكوار والتي قدرت ب 90 مليار دج؟؟؟”، والذي لن يتحقق إلا عن طريق تفعيل منظومة رقمية وإلكترونية وتسهيل الإجراءات لخلق الاستثمارات وتبسيط الضرائب في الجزائر، حسبه.
وجدد الهواري تيغرسي مطالبته بتسريع العملية في المرحلة المقبلة من أجل ضمان ولوج الجزائر إلى منظمة ” بريكس”، والتي تحتاج إلى إمتلاك الجزائر لسوق نقدي وسوق تداول للعملة المحلية ومنظومة رقمية المتضمنة الدينار الرقمي والقدرة على المنافسة.
سلامة: إجراءات عملية ولن تمتص أموال السوق الموازية
من جهة أخرى، يرى المحلل الاقتصادي جلول سلامة في تصريحه لشبكة الإعلام الاقتصادي” الاقتصاد ديزاد”، أن الإجراءات البنكية أو التسهيلات التي جاء بها مشروع قانون القرض والنقد تعتبر إجراءات عملية ولا علاقة لها تماما بكيفية إمتصاص الأموال الموجودة في السوق الموازية، مؤكدا فشل التمويل البنكي العادي نتج عنه اللجوء إلى التمويل غير العادي، ضف إلى ذلك فإن السوق النقدي الموازي هو وليد إجراء سياسة نقدية وطنية معتمدة منذ 1990، وهنا تم تثبيت قيمة عملة الدينار مقابل سلة العملات الأجنبية.
وبخصوص الإجراءات اللازمة للقضاء على السوق الموازية للعملة في الجزائر، أكد سلامة على ضرورة تغيير العقيدة المالية الوطنية، فالجزائر ملزمة بأن تؤمن بأن يكون الدينار الجزائري عملة وطنية قوية يمكن تبادلها بسلات عملات أخرى مثلما يجري في الدول الكبرى على غرار بعض الدول الإفريقية التي شرعت مؤخرا في تعاملاتها التجارية بتبادل عملاتها.
للإشارة، عرف هذا القانون تعديلات محدودة وبأوامر رئاسية في سنوات: 2001، 2003 ,2010 وآخرها في 2017، ففي تاريخ 25 ديسمبر 2022، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون القرض والنقد، أين أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن قيمته القانونية تمتد إلى الإصلاحات التي عرفتها المنظومتان المالية والاقتصادية طوال السنوات الثلاث الأخيرة.